فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سواء العذاب يَوْمَ القيامة}.
الجملة اعتراض بين الثناء على القرآن فيما مضى وقوله الآتي: {ولقدَ ضَربْنَا للنَّاسسِ في هذا القُرءَاننِ من كُل مَثَلٍ} [الزمر: 27].
وجعلها المفسرون تفريعًا على جملة {ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هادٍ} [الزمر: 23] بدلالة مجموع الجملتين على فريقين: فريق مهتد، وفريق ضالٍ، ففرع على ذلك هذا الاستفهام المستعمل في معنى مجازي.
وجعل المفسرون في الكلام حذفًا، وتقدير المحذوف: كمن أمن العذاب أو كمن هو في النعيم.
وجعلوا الاستفهام تقريريًا أو إنكاريًا، والمقصود: عدم التسوية بين من هو في العذاب وهو الضالّ ومن هو في النعيم وهو الذي هداه الله، وحُذف حال الفريق الآخر لظهوره من المقابلة التي اقتضاها الاستفهام بناء على أن هذا التركيب نظير قوله: {أفمَنْ حقَّ عليهِ كلمةُ العذابِ} [الزمر: 19] وقوله: {أفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ للإسلاَمِ} [الزمر: 22]، والقول فيه مثل القول في سابقه من الاستفهام وحذف الخبر، وتقديره: أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب، لأن الله أضله كمن أمن من العذاب لأن الله هداه، وهو كقوله تعالى: {أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله} [محمد: 14].
والمعنى: أن الذين اهتدوا لا ينالهم العذاب.
ويجوز عندي أن يكون الكلام تفريعًا على جملة {وَمَن يُضْلِللِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23] تفريعًا لتعيين مَا صْدِق مَنْ في قوله: {ومن يُضْلِل الله فما له من هَادٍ} ويكون {من يتقي} خبرًا لمبتدأ محذوف، تقديره: أفهو من يتقي بوجهه سوء العذاب، والاستفهام للتقرير.
والاتقاء: تكلف الوقاية وهي الصون والدفع، وفعلها يتعدى إلى مفعولين، يقال: وقى نفسه ضربَ السيف، ويتعدّى بالباء إلى سبب الوقاية، يقال: وقى بترسه، وقال النابغة:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ** فتناولْته واتَّقتنا باليد

وإذا كان وجه الإنسان ليس من شأنه أن يُوقى به شيء من الجسد، إذ الوجه أعزّ ما في الجسد وهو يُوقَى ولا يُتقى به فإن من جبلِّة الإِنسان إذا توقع ما يصيب جسده ستر وجهه خوفًا عليه، فتعين أن يكون الاتقاء بالوجه مستعملًا كناية عن عدم الوقاية على طريقة التهكم أو التلميح، فكأنه قيل: من يطلب وقاية وجهه فلا يجد ما يقيه به إلا وجهه، وهذا من إثبات الشيء بما يشبه نفيه، وقريب منه قوله تعالى: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل} [الكهف: 29].
و{سُوءَ العَذَابِ} منصوب على المفعولية لفعل {يَتَّقِي}.
وأصله مفعول ثان إذ أصله: وَقَى نفسه سوءَ العذاب، فلما صيغ منه الافتعال صار الفعل متعديًا إلى مفعول واحد هو الذي كان مفعولًا ثانيًا.
{القيامة وَقِيلَ لِلظَّلِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ} يجوز أن يكون {وَقِيلَ} عطفًا على الصلة.
والتقدير: أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب، وقيل لهم فإن مَن مراد بها جمْع، والتعبير ب {الظالمين} إظهار في مقام الإِضمار للإِيماء إلى أن ما يلاقونه من العذاب مسبب على ظلمهم، أي شركهم.
والمعنى: أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب فلا يجد وقاية تنجيه من ذوق العذاب فيقال لهم: ذُوقوا العذاب.
ويجوز أن يكون المراد ب {الظالمين} جميع الذين أشركوا بالله من الأمم غير خاص بالمشركين المتحدث عنهم، فيكون {الظالمين} إظهارًا على أصله لقصد التعميم، فتكون الجملة في معنى التذييل، أي ويقال لهؤلاء وأشباههم، ويظهر بذلك وجه تعقيبه بقوله تعالى: {كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم} [الزمر: 25].
وجاء فعل {وَقِيلَ} بصيغة المضيّ وهو واقع في المستقبل لأنه لتحقق وقوعه نزل منزلة فعل مضَى.
ويجوز أن يكون جملة {وقِيلَ للظالمين} في موضع الحال بتقدير قد ولذلك لا يحتاج إلى تأويل صيغة المضيّ على معنى الأمر المحقق وقوعه.
والذوق: مستعار لإِحساس ظاهر الجسد لأن إحساس الذوق باللسان أشد من إحساس ظاهر الجلد فوجه الشبه قوة الجنس.
والمذوق: هو العذاب فهو جزاء مَا اكتسبوه في الدنيا من الشرك وشرائعه، فجعل المذوق نفس ما كانوا يكسبون مبالغة مشيرة إلى أن الجزاء وفق أعمالهم وأن الله عادل في تعذيبهم.
وأوثر {تَكْسِبُونَ} على تعملون لأن خطابهم كان في حال اتقائهم سوءَ العذاب ولا يخلو حال المعذّب من التبرم الذي هو كالإِنكار على معذِّبه.
فجيء بالصلة الدالة على أن ما ذاقوه جزاء ما اكتسبوه قطعًا لتبرمهم.
{كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25)} استئناف بياني لأن ما ذكر قبله من مصير المشركين إلى سوء العذاب يوم القيامة ويوم يقال للظالمين هم وأمثالهم: {ذوقوا ما كنتم تكسبون} [الزمر: 24]، يثير في نفوس المؤمنين سؤالًا عن تمتع المشركين بالنعمة في الدنيا ويتمنون أن يعجل لهم العذاب فكان جوابًا عن ذلك قولُه: {كذَّبَ الذين من قبلهم فأتاهم العذابُ من حيثُ لا يشعرونَ} أي هم مظنة أن يأتيهم العذاب كما أتى العذابُ الذين مَن قبلهم إذ أتاهم العذاب في الدنيا بدون إنذار غيرَ مترقبين مجيئه، على نحو قوله تعالى: {فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم} [يونس: 102]، فكان عذاب الدنيا خزيًا يخزي به الله من يشاء من الظالمين، وأما عذاب الآخرة فجزاء يَجزي به الله الظالمين على ظلمهم.
والفاء في قوله: {فأتاهم العذابُ} دالّة على تسبب التكذيب في إتيان العذاب إليهم فلما ساواهم مشركو العرب في تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم كان سبب حلول العذاب بأولئك موجودًا فيهم فهو منذر بأنهم يحلّ بهم مثل ما حلّ بأولئك.
وضمير {مِن قَبْلِهم} عائد على {مَن يتَّقِي بوجهه سُوءَ العَذَابِ} [الزمر: 24] باعتبار أن معنى مَن جمع.
وفي هذا تعريض بإنذار المشركين بعذاب يحلّ بهم في الدنيا وهو عذاب السيف الذي أخزاهم الله به يوم بدر.
فالمراد بالعذاب الذي أتى الذين من قبلهم: هو عذاب الدنيا، لأنه الذي يوصف بالإِتيان من حيث لا يشعرون.
و{حيثُ} ظرف مكان، أي جاء العذابُ الذين من قبلهم من مكان لا يشعرون به؛ فقوم أتاهم من جهة السماء بالصواعق، وقوم أتاهم من الجو مثل ريح عاد، قال تعالى: {فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم} [الأحقاف: 24]، وقوم أتاهم من تحتهم بالزلازل والخسف مثل قوم لوط، وقوم أتاهم من نبع الماء من الأرض مثل قوم نوح، وقوم عم عليهم البحر مثل قوم فرعون.
وكان العذاب الذي أصاب كفار قريش لم يخطر لهم ببال، وهو قطع السيوف رقابهم وهم في عزة من قومهم وحرمة عند قبائل العرب ما كانوا يحسبون أيديًا تقطع رقابهم كحال أبي جهل وهو في الغَرغرة يوم بدر حين قال له ابن مسعود: أنت أبَا جهل؟ فقال: وهل أعمد من رجل قتله قومه.
واستعارة الإِذاقة لإِهانة الخزي تخييلية وهي من تشبيه المعقول بالمحسوس.
وعطف عليه {ولعذاب الآخرة أكبر} للاحتراس، أي أن عذاب الآخرة هو الجزاء، وأما عذاب الدنيا فقد يصيب الله به بعض الظلمة زيادة خزي لهم.
وقوله: {لو كانوا يعلمون} جملة معترضة في آخر الكلام.
ومفعول {يَعْلَمُونَ} دل عليه الكلام المتقدم، أي لو كان هؤلاء يعلمون أن الله أذاق الآخرين الخزي في الدنيا بسبب تكذيبهم الرسل، وأن الله أعدّ لهم عذابًا في الآخرة هو أشد.
وضمير {يَعْلَمُونَ} عائد إلى ما عاد إليه ضمير {قَبْلِهِمْ}.
وجواب {لو} محذوف دل عليه التعريض بالوعيد في قوله: {كَذَّبَ الذين من قَبْلِهم} الآية، تقديره: لو كانوا يعلمون أن ما حلّ بهم سببه تكذيبهم رسلهم كما كذّب هؤلاء محمدًا صلى الله عليه وسلم.
ووصف عذاب الآخرة ب {أكبر} بمعنى: أشد فهو أشد كيفية من عذاب الدنيا وأشد كمية لأنه أبدي.
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27)} عطف على جملة {الله نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ} إلى قوله: {فَما لهُ مِن هَادٍ} [الزمر: 23]، تتمة للتنويه بالقرآن وإرشاده، وللتعريض بتسفيه أحلام الذين كذّبوا به وأعرضوا عن الاهتداء بهديه.
وتأكيد الخبر بلام القسم وحرففِ التحقيق منظور فيه إلى حال الفريق الذين لم يتدبروا القرآن وطعنوا فيه وأنكروا أنه من عند الله.
والتعريف في {الناس} للاستغراق، أي لجميع الناس، فإن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم للناس كافة.
وضَرْب المثل: ذِكره ووصفُه، وقد تقدم في قوله تعالى: {إن اللَّه لا يستحيِّ أن يضرب مثلًا} في سورة [البقرة: 26].
وتنوين {مَثَلٍ} للتعظيم والشرف، أي من كل أشرف الأمثال، فالمعنى: ذكرنا للناس في القرآن أمثالًا هي بعض من كل أنفع الأمثال وأشرفها.
والمراد: شرف نفعها.
وخُصّت أمثال القرآن بالذكر من بين مزايا القرآن لأجل لَفت بصائرهم للتدبر في ناحية عظيمة من نواحي إعجازه وهي بلاغة أمثاله، فإن بلغاءهم كانوا يتنافسون في جَودة الأمثال وإصابتها المحزّ من تشبيه الحالة بالحالة.
وتقدم هذا عند قوله تعالى: {ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورًا} في سورة [الإِسراء: 89]، وتقدم في قوله: {ولقَد ضَرَبنا للنَّاسسِ في هذَا القُرْآننِ مِن كل مَثَلٍ} في سورة [الروم: 58].
ومعنى الرجاء في {لَعَلَّهُم يتذَكَّرُونَ} منصرف إلى أن حالهم عند ضرب الأمثال القرآنية كحال من يرجو الناس منه أن يتذكر، وهذا مِثل نظائر هذا الترجي الواقع في القرآن، وتقدم في سورة البقرة.
ومعنى التذكر: التأمل والتدبر لينكشف لهم ما هم غافلون عنه سواء ما سبق لهم به علم فنسُوه وشُغلوا عنه بسفسَاففِ الأمور، وما لم يسبق لهم علم به مما شأنه أن يستبصره الرأي الأصيل حتى إذا انكشف له كان كالشيء الذي سبق له علمه وذهِل عنه، فمعنى التذكر معنى بديع شامل لهذه الخصائص.
وهذا وصفُ القرآن في حدّ ذاته إن صادف عقلًا صافيًا ونفسًا مجردة عن المكابرة فتذكر به المؤمنون به من قبل، وتذكّر به من كان التذكّر به سببًا في إيمانه بعد كفره بسرعة أو ببطء، وأما الذين لم يتذكروا به فإن عدم تذكرهم لنقص في فطرتهم وتغشية العناد لألبابهم.
وكذلك معنى قوله: {لعلَّهُم يتَّقُونَ}.
وانتصب {قُرْءَانًا} على الحال من اسم الإِشارة المبيَّن بالقرآن، فالحال هنا موطئة لأنها توطئة للنعت في قوله تعالى: {قُرْءَانًا عَرَبِيًَّا} وإن كان بظاهر لفظ {قُرْءَانًا} حالًا مؤكدة ولكن العبرة بما بعده، ولذلك قال الزجاج: إن {عَرَبِيًَّا} منصوب على الحال، أي لأنه نعت للحال.
والمقصود من هذه الحال التورك على المشركين حيث تلقوا القرآن تلقيَ من سمع كلامًا لم يفهمه كأنه بلغة غير لغته لا يُعيره بالًا كقوله تعالى: {فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون} [الدخان: 58]، مع التحدّي لهم بأنهم عجزوا عن معارضته وهو من لغتهم، وهو أيضًا ثناء على القرآن من حيث إنه كلام باستقامة ألفاظه لأن اللغة العربية أفصح لغات البشر.
والعِوج بكسر العين أريد به: اختلال المعاني دون الأعيان، وأما العَوج بفتح العين فيشملها، وهذا مختار أئمة اللغة مثل ابن دريد والزمخشري والزجاج والفيروزبادي، وصحح المرزوقي في شرح الفصيح أنهما سواء، وقد تقدم عند قوله تعالى: {ولم يجعل له عوجًا} في سورة [الكهف: 1]، وقوله: {لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا} في سورة [طه: 107].
وهذا ثناء على القرآن بكمال معانيه بعد أن أثني عليه باستقامة ألفاظه.
ووجه العدول عن وصفه بالاستقامة إلى وصفه بانتفاء العوج عنه التوسلُ إلى إيقاع {عِوَجٍ} وهو نكرة في سياق ما هو بمعنى النفي وهو كلمة {غَير} فيفيد انتفاء جنس العِوج على وجه عموم النفي، أي ليس فيه عوج قط، ولأن لفظ {عِوَجٍ} مختص باختلال المعاني، فيكون الكلام نصًا في استقامة معاني القرآن لأن الدلالة على استقامة ألفاظه ونظمه قد استفيدت من وصفه بكونه عربيًا كما علمته آنفًا.
وقوله: {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} مثل قوله: {لعَلَّهُم يتذَكَّرُونَ} وذُكر هنا {يَتَّقُونَ} لأنهم إذا تذكروا يسرت عليهم التقوى، ولأن التذكر أنسب بضرب الأمثال لأن في الأمثال عبرة بأحوال الممثل به فهي مفضية إلى التذكر، والاتقاء أنسبُ بانتفاء العوج لأنه إذا استقامت معانيه واتضحت كان العمل بما يدعو إليه أيسر وذلك هو التقوى.
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} استئناف وهو من قبيل التعرض إلى المقصود بعد المقدمة فإن قوله: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل} [الروم: 58] توطئة لهذا المثل المضروب لحال أهل الشرك وحال أهل التوحيد، وفي هذا الانتقال تخلص أُتبع تذكيرهم بما ضرب لهم في القرآن من كل مثل على وجه إجماللِ العموم استقصاءً في التذكير ومعاودة للإِرشاد، وتخلصًا من وصف القرآن بأن فيه من كل مثل، إلى تمثيل حال الذين كفروا بحالٍ خاص.
فهذا المثل متصل بقوله تعالى: {أفَمَن شرَحَ الله صدرَهُ للإسلامِ} إلى قوله: {أُولئِكَ في ضَلالٍ مُبينٍ} [الزمر: 22]، فهو مثل لحال من شرح الله صدرهم للإِسلام وحال من قَست قلوبهم.
ومجيء فعل {ضَرَبَ الله} بصيغة الماضي مع أن ضَرْب هذا المثل ما حصل إلا في زمن نزول هذه الآية لتقريب زمن الحال من زمن الماضي لقصد التشويق إلى علم هذا المثل فيجعل كالإِخبار عن أمر حصل لأن النفوس أرغب في علمه كقول المثوِّب: قد قامت الصلاة.
وفيه التنبيه على أنه أمر محقق الوقوع كما تقدم عند قوله تعالى: {وضرب اللَّه مثلًا قرية} في سورة [النحل: 112].
أما صاحب الكشاف فجعل فِعل {ضرب} مستعملًا في معنى الأمر إذ فسره بقوله: اضرِبْ لهم مثلًا وقُل لهم ما تقولون في رجل من المماليك قد اشترك فيه شركاء، إلى آخر كلامه، فكان ظاهر كلامه أن الخبر هنا مستعمل في الطلب، فقرره شارحوه الطيبي والقزويني والتفتزاني بما حاصل مجموعه: أنه أراد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع قوله: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرءان من كُلّ مثلٍ} [الزمر: 27] عَلِم أنه سينزل عليه مَثَل من أمثال القرآن فأنبأه الله بصدق ما عَلمه وجعَله لتحققه كأنه ماض.